السبت، 2 نوفمبر 2013

الحِجاب / الجلباب / الخمار / الجيب

بسم الله الرحمن الرحيم

من أكثر المواضيع طرحا بيننا هو موضوع الحجاب وما هو الحِجاب وهل هو فريضة أم سنة؟ وعلى من يجب؟ وعلى من لا يجب؟

منذ سنين والموضوع يُطرح مرارا وتكرارا .. وهنالك في الغالب فريقان ..
فريق يرى وجوب تغطية الوجه ..
وفريق لا يرى وجوب تغطية الوجه

الفريق الأول يرى الفريق الثاني "مفرّطا" في واجب من الواجبات التي فرضها الله عز وجل (حسب فهمه) والفريق الثاني يرى الفريق الأول "متشددا" في فهم آيات الله عز وجل والأحاديث (حسب فهمه أيضا)
ونوقِش كما ذكرت مرات عديدة .. ولا أتذكر عبر سنين طويلة من الخوض في هذا النقاش أن هنالك من اقتنع من هذا الفريق أو ذاك بوجهة نظر الآخر ..
وما أراه دوما اتهامات بالتفريط .. وأحيانا تمادت إلى الرمي بالفسق والزندقة والعُهر .. بل ووصلت في بعض الأحيان إلى التكفير

الملفت للانتباه في النقاش أن الكثيرين (وللأمانة من الفريقين) ينقلون ما يميلون له من رأي دون أن يُحكموا عقولهم أو يحركوها قليلا .. وكثيرٌ منهم "أتباعٌ فقط .. فنجدهم ينقلون الرأي الذي يعتقدون بصحته "نسخا ولصقا" دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء النظر في الأدلة وتفحصها وبيان أحقية اتّباعها من عدمها ..

قبل أن نتبحّر في الموضوع .. سأسرُدُ الآيات الكريمات التي كانت سببا في هذا الخلاف التاريخي بين كثير من المسلمين على مر الزمان

أولا: آية الحجاب:

((يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهنّ متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما)) [سورة الأحزاب - آية 53]

وكما يظهر لكل من يفهم اللغة العربية فإن الخطاب في كامل الآية موجه إلى المؤمنين في كيفية الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته .. وكيفية جلوسهم في بيته .. وكيفية تخاطبهم مع نسائه صلى الله عليه وسلم .. وحكم زواجهم من نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته

ثانيا: آية الجلابيب

((يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما)) [سورة الأحزاب - آية 59]

والآية هنا في نفس السورة (سورة الأحزاب) ولكنها كما هو ظاهر من نصّها عامّة ووضّح الله سبحانه وتعالى وأكّد "لأزواجك" "وبناتك" "ونساء المؤمنين"

ثالثا: آية الخمار

قوله تعالى: ((وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منهاوليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)) [سورة النور - آية 31]

وأيضا هنا الآية عامة "للمؤمنات" بدون استثناء ولا خلاف في ذلك.


فنقطتا الخلاف الأساسية هي:
أولا في تفسير ماهيّة الحجاب .. وماهيّة الجلباب .. وماهيّة الخمار وما هو الجيب الذي يُضرب عليه الخمار ..
وإذا ما علمنا تعريف الكلمات الثلاثة .. علمنا قطعا مقصود الآيات الكريمات الثلاث
وثانيا في تفصيل الآيات وهل هي عامة لجميع المسلمات أم أنها خاصة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم؟

----------------

الحجاب:

الحَجْبُ - حَجْبُ :
الحَجْبُ المنْع .
و الحَجْبُ ( شَرعًا ) : منع الشَّخْص ميراثه ، إما كلّه وإمّا بعضه بوجُود شخْصَ آخر .
وهو نوعان : حجبُ نُقصانٍ : وهو حجبٌ عن سهْمٍ أكثرَ إِلى سهمٍ أَقلّ .
وحجْبُ حِرْمان : وهو المنْعُ من الإرْثِ كلّه فلا يُنال شيءٌ منه .

حِجاب - جمعه حُجُب:
1 - مصدر حَجَبَ.
2 - ستر ، ما يحتجب به.
3 - ما حال ومنع بين شيئين.
4 - ما أشرف من الجبل.
5 - حرز يلبسه صاحبه وقاية من الشر.
6 - «الحجاب الحاجز»: هو ما يفصل الصدر عن البطن.
7 - «حجاب الشمس»: ضوؤها.

والمعنى واضح في قول الله عز وجل ((وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن))

وكذلك في قول الله عز وجل: ((وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليٌّ حكيم))

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما نزلت آية الحجاب ذهبت أدخل كما كنت أدخل فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ((وراءك يا بني)) والحديث موجود في مسند الإمام أحمد بن حنبل والدارقطني وغيره من كتب الحديث

ومن الأدلة أن الحجاب خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم حديث الشعبي في قوله في تفسير قول الله عز وجل: ((ومن ابتغيت ممن عزلت)) [سورة الأحزاب – آية 51] , قال : "كن نساء وهبن أنفسهن لرسول الله ، لم يدخل بهن ولم يضرب عليهن الحجاب ، ولم يتزوجهن أحد بعده ، منهن أم شريك "

وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتيلة أخت الأشعث بن قيس، فمات قبل أن يخيّرها فبرأها الله تعالى منه أي من التخيير.

وروى أيضا عن الشعبي أن عكرمة بن أبي جهل تزوج قتيلة بنت قيس، فأراد أبو بكر الصديق أن يضرب عنقه، فقال له عمر بن الخطاب: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفرض لها، ولم يدخل بها، وارتدت مع أخيها فبرأت من الله ورسوله، فلم يزل حتى لف منه،

ومن الغريب ما رواه ابن سعد بسند ضعيف جدا عن عروة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تزوج قتيلة بنت قيس، ولا تزوج كندية إلا أخت بني الجون فملكها،، فلما أتى بها وقدمت عليه، نظر إليها، فطلقها، ولم يَبْنِ بها. قلت: ويحتمل أنه أراد بعدم الزواج الدخول، وإلا فقد ورد من طرق كثيرة لا يمكن ردها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج قتيلة والله تعالى أعلم، ووقت بعضهم تزويجه إياها فزعم أنه تزوجها قبل وفاته بشهرين، وزعم آخرون أنه تزوجها في مرضه، وزعم آخرون أنه أوصى أن تخيّر قتيلة إن شاءت يضرب عليها الحجاب، وتحرم على المؤمنين، وإن شاءت تنكح من شاءت، فاختارت النكاح فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بحضرموت، فبلغ أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - فقال: لقد هممت أن أحرق عليها. فقال عمر: ما هي من أمهات المؤمنين، ولا دخل بها

وهنّ على المشهور 12 امرأة لم يضرب عليهن حجاب وبما أنه لم يضرب عليهن حجاب كما ورد في الأحاديث السابقة وغيرها فهذا يعني أن الحجاب خاص لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وليس لعموم المسلمات



الجلباب:

تعريفه في "محيط المحيط" هو ثوب واسع للمرأة دون الملحفة وفي لسان العرب لابن منظور هو القميص أو الرداء الذي تلبسه المرأة

وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء وقد قيل إنه القناع والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن (تفسير القرطبي 14-243)

وقال البغوي: الجلباب الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الخمار, وقال حمزة الكرماني: قال الخليل:كل ما تستر به من دثار وشعار وكساء فهو جلباب وقال القرطبي في تعريف الجلباب: هو ثوب أكبر من الخمار، والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن، لما في صحيح مسلم عن أم عطية : قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: تلبسها أختها من جلبابها.

وقيل الجلباب : ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المراة على رأسها وتلقي منه ما أرسله على صدرها ، وقيل : هي الملحفة وكل ما يتستر به .. والجلباب في ذاته ليس واجبا وإنما الواجب هو الثوب الذي يغطي بدن المرأة دون أن يصف تفاصيل جسدها وفي حديث عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: ((إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها)). هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وروي في سنن أبي داوود وفي المستدرك على الصحيحين

الخِمار:

في اللغة هو كل ما ستر وغطّى ومنه خمار المرأة وهو ما تلبسه المرأة على رأسها لتغطي به شعرها وهو مقام العمامة عند الرجل ودليله حديث بلال رضي الله عنه أنه قال ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه وعلى خماره)) والحديث سنده قوي وصححه الألباني رحمه الله

ومن أقوى الأدلة على أن الخمار لا يغطي الوجه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يقبل الله صلاة حائض الا بخمار)) أي أن الله لا يقبل صلاة أي امرأة بلغت سن الحيض (وبالتالي وجبت عليها الصلاة) إلا بخمار وكما هو معروف أن المرأة لا تغطي وجهها في الصلاة فدلّ هذا على أن الخمار لا يغطي الوجه والحديث رواه الخمسة إلا الترمذي وصحّحه ابن كثير وابن حجر والألباني وغيرهم

وأيضا يدلّ على ذلك حديث أم سلمة رضي الله عنها حين قالت دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وهي تختمر فقال: ((ليّة لا ليّتين)) أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تلفه لفة واحدة فقط .. وقال القاضي أمرها بأن تجعل الخمار على رأسها وتحت حنكها عطفة واحدة لا عطفتين حذرا عن الإسراف أو التشبه بالمتعممين (أي التشبه بالرجال) ويبدو أن هذا قبل نزول آية الحجاب حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوجها في سنة 4هـ وآية الحجاب نزلت في سنة 5هـ

ومن الدلائل أيضا حديث عن جابر بن سمرة ، قال: جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فجلس فقال : ((إن فاطمة وجعة)) ، فقال القوم: لو عدناها ؟ فقام فمشى حتى انتهى إلى الباب - والباب عليها مصفق - فنادى: ((شدي عليك ثيابك فإن القوم جاءوا يعودونك)) فقالت: يا نبي الله ما علي إلا عباءة ، فأخذ رداءً فرمى به إليها من وراء الباب فقال: ((شدّي بهذا رأسك)) فدخل ودخل القوم فقعد ساعة فخرجوا ، فقال القوم: تالله بنت نبينا صلى الله عليه وسلم على هذا الحال ؟ فالتفت فقال: ((أما إنها سيدة النساء يوم القيامة)) وروي عن عمران بن حصين مثله والشاهد في الحديث أنه قال ((شدّي بهذا رأسك)) ولم يقل ((غطي بهذا وجهك))


وأما الجيب فهو جيب القميص (وهو ليس الجيب الذي يتداوله العامة حاليا وإن كانت المصادر تشير إلى أن أساس التسمية مشابه وهو مكان ما توضع فيه المحافظ والنقود حيث كانت العرب قديمة يضع رجالها المحافظ في صدورهم) وجيب القميص هو المكان الذي يدخل منه الرأس من الثوب والقميص ونحوهما وجاء في "المعجم الوسيط" جَيْبُ القميص ونحوه: ما يدخل منه الرأس عند لبسه وجمعهُ جيوب وأجياب .. وجاء في غيره من المعاجم .. جيب القميص والدرع ونحو ذلك: طوقه، وهو ما ينفتح على النحر ، وجمعه جُيوب وأجياب وجِيوب .. وكان الأمر الإلهي بأن يغطي الخمار حتى منطقة الجيب لكي يستر النحر والصدر وهما من منطقة العورة في المرأة وهذا مما لا خلاف فيه

----------------

إن الاختلاف في تفسير الأحكام والأحاديث والآيات ليس وليد اليوم أو الليلة .. بل هو موجود منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم وهم من أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
الفرق بيننا وبينهم أنهم عندما كانوا يختلفون .. لم يكونوا يرمون بعضهم بعضا بالزندقة والعُهْر والدياثة .. أو التشدد والتنطّع والتزمّت

قد تكون أخي المسلم مختلفا معي في رأيي أو استنتاجي في تفسير آية معيّنة أو حديث معيّن ..

ومن حقّك كمسلم أن تنصحني وتحاول أن تقنعني بما تراه هو الصواب وأن تسرد عليّ أدلتك وبراهينك وتفسيراتك وتأويلاتك للآيات والأحاديث

ولكن ما ليس من حقك أن ترميني بالكفر أو الزندقة أو العُهر أو الدياثة فهذا عند الله عز وجل من الكبائر .. وإن فرضنا جدلا أن كشف الوجه حرام نهى الله عنه فإن قذف المؤمن والمؤمنة أشد عند الله عز وجل منه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق